الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
كلمة في مسجد
3400 مشاهدة
شروط تحقق نعمة التمكين والاستخلاف

فنقول: إن العباد متى عملوا بالإسلام؛ فإن الله تعالى صادق الوعد وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا بهذه الشروط: الشرط الأول: الإيمان، والشرط الثاني: العمل الصالح، والشرط الثالث: العبادة، فإذا قاموا بها فهنيئاً لهم أن يتم الله تعالى عليهم ما وعدهم، يحصل لهم الاستخلاف والتمكين والأمن، والواقع أنه ما سلطت الأعداء على بعض البلاد إلا بتركهم حقيقة الإيمان وحقيقة العمل الصالح، فما الذي سلطهم على الفلسطينيين؟! لا شك أنه عدم الإيمان أو ضعف الإيمان، وكذلك ما الذي سلطهم -في كثير من البلاد- على المسلمين كما في الفلبين وفي كشمير وفي الشيشان وفي الدول الأخرى التي وقع فيها قتال وتسلط فيها الأعداء؟ لا شك أنه ضعف الإيمان وقلة الأعمال الصالحة، وكذلك عبادة غير الله بوقوع الشرك، إما عبادة الهوى أو الدنيا أو ما أشبه ذلك.
فنقول: إن علينا أن نحقق عبادة الله تعالى حتى لا يسلط علينا عدواً من سوى أنفسنا كما وعد بذلك، ومن أسباب ذلك التآلف بين المسلمين، أن يكونوا إخوة في ذات الله تعالى وأن يؤمنوا بالله حقيقة الإيمان، وأن يعبدوا الله وحده عبادة صادقة، وأن يعملوا الأعمال الصالحة، فالإيمان الذي خاطبهم الله تعالى به: تحقيق أركان الإيمان، فمن آمن بالله إلهاً ورباً وخالقاً، فلا بد أن يعبده ويخافه ويرجوه ويستعد للقائه، وإذا ضعف هذا الإيمان في القلب ظهرت آثاره، إذا رأيت من لا يخاف الله فقل: هذا ضعيف، ضعيف الإيمان، إذا رأيت من يتجرأ على المحرمات فإن هذا ضعيف الإيمان بالله، كذلك أيضاً ضعف الإيمان باليوم الآخر، الكثير الذين يسمعون أن الله جعل أو أعد الجنة لمن أطاعه ومع ذلك لا يعملون للجنة، وأعد النار لمن عصاه ومع ذلك يعصون، يعصون الله، هؤلاء قد ضعف إيمانهم بالجنة والنار، لو كانوا مصدقين بها غاية التصديق لما تضعضع إيمانهم، ولما ارتكبوا المحرمات التي توعد الله عليها بالنار، وعملوا السيئات التي حرم الله تعالى أهلها الجنة.
قال الله تعالى حكاية عن أهل النار أنهم قالوا لأهل الجنة: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وهم في النار يحسون بالآلام؛ فينادون أهل الجنة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ الذي نتبرد به، ومما رزقكم الله؛ وذلك لأنهم في حر شديد، إذا استسقوا ماء أغيثوا أو أعطوا ماء حميماً يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ فيقولون: أفيضوا علينا من الماء البارد الذي يبرد عنا بعض ما نحن فيه؛ فيقول أهل الجنة: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا الذين جعلوا عباداتهم لهواً ولعبا؛ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ؛ ولو كان بعضهم من أقارب أهل الجنة أو من أسرهم أو من إخوانهم؛ ولكن يعلمون أن الله حرم هذا على أهل النار؛ لأنهم اتخذوا دينهم لهواً ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا وانغمسوا في شهواتها، ونسوا الآخرة ولم يعملوا لها ولم يتم تصديقهم، فمثل هؤلاء ضعيف إيمانهم.
فنقول: إن الذين يقوى إيمانهم يعملون الأعمال الصالحة، والذين يعملون الأعمال الصالحة التي منها العبادات كلها، يدعون الله ويخافونه ويرجونه، ويركعون له ويسجدون، ويتصدقون له ويزكون، ويصومون له ويفطرون، ويحجون له ويعتمرون، ويجاهدون في سبيله حق جهاده. وكذلك أيضاً يعملون بما أمرهم به من سائر الطاعات؛ فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الله تعالى وينصحون لعباد الله، ويؤدون الأمانات ويوفون بالعهود، ويبرون الآباء ويصلون الأرحام، ويؤمنون بالآخرة ويعملون لها عملاً مصدقاً بها، وهكذا أيضاً يتركون المحرمات كلها ولو كانت النفس تندفع إليها.
هؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهؤلاء هم الذين يعبدون الله يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ؛ فإذا كانوا كذلك فهنيئاً لهم أن الله تعالى يستخلفهم كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ يستخلفهم يعني: يجعلهم خلفاً عمن قبلهم ويمكن لهم في الأرض، وإذا مكن لهم فإنهم يكونون آمنين مطمئنين؛ ولكن عليهم بعد ذلك أن يطبقوا شرع الله، قال الله تعالى: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ هذا من جملة ما يفعلونه إذا مكن الله تعالى لهم في الأرض، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ يعني: عملوا بأركان الإسلام كلها، ومن جملتها أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فكل ذلك من جملة ما يحبه الله تعالى وما أمر به، وكل ذلك من أسباب تمكين الله تعالى لعباده.
فنقول: هنيئاً لكم عباد الله هذا الأمن وهذا الاطمئنان، وهذه الحياة السعيدة وهذه العبادة وهذه الشهادة بسبب ما من الله به عليكم؛ المنة العامة التي هي: الهداية إلى الإسلام، والمنة الخاصة التي هي: الأعمال الصالحة التي وفق الله تعالى بها من شاء من عباده، وفقهم الله لأن عملوا الأعمال الصالحة وعبدوا الله تعالى، وتركوا عبادة الهوى وعبادة النفس وعبادة الشيطان، وعبادة الدنيا والشهوات والميل إليها، نعرف وتعرفون أناسا فيما بيننا لم يكونوا عاملين الأعمال الصالحة؛ بل يعملون السيئات؛ ومع ذلك فقد نرى أنهم في سعة رزق وفي سعة عيش؛ فيغبطهم بعض الجهلة ويقول: هذا فلان قليل الصلاة وقليل الصدقات، وهذا فلان يفعل بعض المنكرات ويرتكب بعض المحرمات، ومع ذلك هو في غنى وفي رزق وفي مال وعنده مال وولد، فهل نغبطهم بهذا؟
لا يجوز لنا أن نغبطهم؛ بل إما أن نقول: إن هذه بطيباتهم عجلت لهم، وإما أن نقول: إن لهم متاع الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار؛ وذلك لأن الرب سبحانه وتعالى أخبر عن الكفار أنهم متعوا في الدنيا، ولذلك قالوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ؛ فظنوا أن الله إذا أعطاهم أموالاً وأولاداً وسعة في الرزق وصحة في الأجسام أنهم لا يعذبون، فقال الله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ يعني: يبسط الرزق لهؤلاء، ويضيق على هؤلاء، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى أي: أموالكم هذه لا تغنيكم ولا تنفعكم ولا يكون لها تأثير في نجاتكم؛ بل يحاسبكم الله تعالى عليها حيث لم تعملوا بطاعة الله ولم تشكروا نعمه.
وقال الله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ؛ وذلك لأن هؤلاء كانت الدنيا همهم وكانوا يريدون حرث الدنيا، ونسوا حرث الآخرة ونسوا أن الله تعالى قد يزوي الدنيا عن بعض عباده وليس ذلك لهوانه على العبد؛ ولكن ليدخر له في الآخرة ثوابه وأجره وعمله، وأن الذين يوسع عليهم في الدنيا فإن ذلك قد يكون متاعا لهم، ثم مآلهم ونهايتهم إلى العذاب الشديد؛ ولذلك يخاطب الله أهل النار، يقول الله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا طيباتهم يعني: حسناتهم، متعهم الله تعالى بها في الدنيا وأعطاهم أجرها في الدنيا، ولم يبق لهم في الآخرة حسنة يجازون عليها، وتوفرت لهم السيئات التي عملوها فيجازيهم بالسيئات عذاباً، وأما حسناتهم فإن جوزوا بها في الدنيا وإلا فإنها تذهب عليهم ويبطلها الله؛ كما قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ؛ فلو كانوا يتصدقون صدقات كثيرة، ولو كانوا ينفعون الناس مثلا، ولو كانوا أيضاً قد ...
هذه المحرمات سببا في عدم ثوابهم في الآخرة وعدم قبول حسناتهم حيث جاءوا بما يبطلها، فعلى هذا نقول: لا تغبطوا أهل المعاصي إذا رأيتموهم قد وسع عليهم في الدنيا، لا تغبط فلاناً وفلاناً، وتقول: حظه عظيم وأجره كبير حيث وسع عليه، الله تعالى أخبر بقوله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ لَهُ يبسطه على هؤلاء، ويقدره يعني: يضيقه على هؤلاء؛ فلا يغبط الإنسان أهل المعاصي؛ بل يغبط أهل الطاعات ويغبط أهل الإيمان وأهل الإحسان، ولو كانوا فقراء وعالة، ولو كانوا ضعفاء ليس لهم من الدنيا شيء إلا ما يقتاتون به ويسدون به خلتهم وجوعتهم؛ فإنهم أهل الدين وأهل الآخرة وأهل المنافسة؛ ولذلك ينبغي أن يكون منافستنا ومسابقتنا في الأعمال الصالحة لا في أمور الدنيا، ولذلك قال بعض السلف قالوا: إذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة. وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ .

فهذا ما أحببنا أن نذكركم به، وهو نعمة الله التي أنعم بها علينا في هذه الآية لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لله المنة على عباده كلهم، من عليهم جميعاً بأن خلقهم وأحسن خلقهم، ومن عليهم بأن أعطاهم العقول والأفهام، وأنطق منهم الألسن وأسمع منهم الآذان، ومن عليهم بأن بسط لهم في الرزق، وبأن: جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا وجعل الأرض فيها رزقهم، جعلها تنبت النبات الذي يتقوتون به، هذه منة عامة للمسلمين والكفار؛ ولكن من على المؤمنين منة خاصة لما أرسل إليهم الرسل، أقبل بقلوبهم على طاعة الرسل وطاعة من أرسلهم، أقبل بقلوبهم على تقبل الشريعة والعمل بها، أقبل بقلوبهم على معرفة الله تعالى والاعتراف بنعمته والاعتراف بفضله؛ فكان ذلك هو أكبر المنة وأكبر النعمة التي تفضل بها على عباده، لا شك أن هذا هو أكبر ما يمن الله به على عباده.